لمحة عن حياة الفنان العظيم الراحل..الباقي..محمد شيخو...
كانت وصيته أن تحيا ذكراه في كل ربيع ،ربما لأنه كان يعلم بأنه سوف يفارق الحياة وهو في ربيع العمر والعطاء وربما لأنه لم يرى من الربيع سوى الملاحقات الأمنية والفقر المدقع واللامبالاة من قبل حركته الكردية فأراد بذلك أن نزين ربيعنا –القصير دائماً- بأغانيه الشجية حتى يتعمق حبنا لرموز الربيع ويزداد إحساسنا بالوطن وبشهر آذار الممتلئ بالفرح والحزن المعتق . ولد الفنان محمد شيخو في عام 1948 في قرية (كرباوي) التابعة لمنطقة القامشلي
واسمه الكامل محمد صالح شيخموس أحمد من عائلة فلاحية فقيرة ،ختم القرآن وهو في الصف الثالث الابتدائي ،وكان يعزف على طنبورة مصنوعة من علبة معدنية (قوتيك) ،وعود من الخشب كما هو الحال في بدايات أغلب فنانينــــــــــا
وفي عام 1964 سافر من قرية خجوكة إلى مدينة القامشلي لإتمام المرحلة الإعدادية وبسبب فقر الحال لم يستطع والده تأمين حاجاته فحصل من المدرسة على الكتب المجانية ،وفي هذه المرحلة أصيبت عيناه بالمرض ،فوصف له الطبيب نظارة طبية واستطاع شرائها بعد أن تبرع له زملاؤه في المدرسة عام 1968 .
أعفي من الخدمة الإلزامية لضعف نظره ،سافر في العام 1969 إلى لبنان بغية العمل ،وعمل هناك في صناعة الحقائب الجلدية ،ثم أصبح عضواً في فرقة كانت تتألف من الفنانين : محمود عزيز،رمضان نجم أومري و سعيد يوسف،وتعلم النوطة بعد أن درس في معهد الموسيقى ببيروت ،سجل أول كاسيت مع الفنان محمود عزيز بعد أن أسسا فرقة (سركوتن) التي قدمت حفلة حضرها الرئيس اللبناني آنذاك (سليمان فرنجية) كما بث التلفزيون تلك الحفلة عام 1972 ،وفي نفس العام عاد إلى الجزيرة ولم يستطع تسجيل أغانيه بسبب المضايقات الأمنية .
رحل إلى العراق –حيث الحكم الذاتي – سجل في إذاعة بغداد – القسم الكردي أربعة أغاني ، وفي بغداد في حفل كبير حضره الآلاف من الجماهير عام 1973 غنى محمد شيخو – متحدياً المخابرات العراقية- الأغاني القومية ، وبعد انتهاء الحفل هرّبه البيشمركة –خوفاً عليه- إلى كردستان العراق سراً ومكث في المناطق المحررة ثلاثة أشهر حضر خلالها لقاء البرزاني مع كمال جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني .
عاد إلى مدينة القامشلي وعادت معه الملاحقات الأمنية ، وألقي القبض عليه ، وتعرض للتعذيب لدرجة أنه بقي طريح الفراش لعدة أيام ، ولكنه عاد وقدم أغانيه فألقي القبض عليه ثانيةً ونفي إلى لبنان برفقة عنصرين من الأمن فاضطر في عام 1974 –بعد أن عاد إلى الجزيرة- أن يذهب إلى كردستان العراق سراً و مع انهيار الثورة لجأ إلى إيران باسم اللاجئين العراقيين وسجل في مهاباد كاسيت ضم أغنيات منها:
Ey felek bo te dinalim و ji mihabad ji kaniya xwîna şehîdan
لكنه اعتقل من قبل مخابرات الشاه (السافاك) إلى قرية على حدود أذربيجان ، ثم تزوج من فتاة كردية كانت طالبة في المدرسة- التي كان يدرّس فيها اللغة العربية ومادة الفنون – من عائلة وطنية كانت من بيشمركة جمهورية مهـــــابـــاد.
امتثل محمد شيخو أمام محاكم الحرس الثوري بعد انتصار الثورة الإسلامية بتهمة الشيوعية، وبعد صدور العفو عن السجناء والموجودين خارج سورية تنقل بين السفارة السورية في طهران و الدوائر الإيرانية ،
وأخيراً وفي 1/1/1983 عاد إلى أهله وأصدقائه وجماهيره إلى مدينة الحب ... القامشلي .
سجل آخر كاسيت له في عام 1986 حينها تعرض للمضايقات الأمنية مرة أخرى ، وفي عام 1987 قامت الجهات الأمنية بإغلاق محله ( تسجيلات فلك) بالشمع الأحمر بسبب توزبعه كاسيت لإحدى الفرق الكردية .
وأثناء تلحينه للمقاطع الأخيرة من أغنية ( (şermîne dil حيث الربيع في بداياته والفجر يحاول البزوغ أ ُسعف البلبل الحزين إلى المشفى الوطني ووسط الإهمال والجهل في تشخيص المرض تعرض محمد شيخو إلى نزيف داخلي حاد أودى بحياته في 9/3/1989 ومن هذا الحزن العميق تعالت هتافات عشرات الآلاف من الجماهير الكردية معلنة أن محمد شيخو لن يموت ... Bavê Felek namirê. لقد كان عظيماً، عظيماً كالوطن ، كان صورة مصغرة عن وطنه كردستان حيث الاعتقال والتعذيب والظلم والبؤس والفقر يحيط بكل أجزائه ... كان هو أيضاً كذلك ... يلاحقه التعذيب والبؤس أينما حل .. في القامشلي .. في بغداد.. في مهاباد... وفي طهران .
وكان أيضاً كما وطنه الغني بثرواته وأرضه وماءه وسماءه ... غنياً بأغانيه وألحانه وصوته الرخيم ومبادئه وعناده المحق .
تحية لذكراه الخالدة وتحية لعائلته التي سارت وتسير على دربه..
بعض المقالات عن الفنان محمد شيخو من أرشيف
الذكرى:
الفنان محمد شيخو
طه خليل
سألته ذات يوم : كم من الأغاني التي غنيتها ،
هي من كلماتك ؟
فقال لي : هن ثلاث ، ولكل واحدة سبب ، في
السبعينات كنت سجينا ، وكنت يائسا ، كتبت
أغنية Di Zindanê Dinalim Ez
ثم وبعد انهيار ثورة 1975 وتشتت البيشمركة في
الاصقاع ، ولجوئنا الى ايران ، كنت يائسا مرة
أخرى ، كان كل شيء مظلما ، بائسا وحزينا ، لقد
ضاعت أحلامنا ، كنت أشعر ان أنهار الدم التي
جرت على ذرى الجبال قد راحت سدى ، فكتبت أغنية
Em Belabûn Li Cîhanê وهكذا حتى رجعت من
ايران ، بقيت تلك مشاعري ، وبقي يأسي كما هو ،
عندما وصلت الى القامشلي في أواخر 1983 راحت
أحلامي تنمو من جديد بعد ان شاهدت من حولي كيف
ان هناك حركة كردية جديدة وثورة وطنية تشتعل
في شمال كردستان، فكتبت : Rabe Gulistan .
لم يكن محمد شيخو الفنان منتميا لجهة سياسية
كردية ، بالمعنى التنظيمي ( كما قال لي كثيرا )
ولكنه كان قريبا دوما من شعبه ومن حركته
التحررية ، غنى لها ، ولم يسقط في مطب الدعاية
السياسية المباشرة ، وان كان يحسب على هذا
الطرف أو ذاك كما كان يحب ان يحسبه الآخرون ،
الا انه كان بعيدا في حبه الوطني عميقا
لمعانيه ، متواصلاً مع كل نبض صاف وثورة حرة ،
وقريبا من كل شهيد يسقط على جبال كردستان، كان
كالهواء ، يصل الى الجميع ولم يصل اليه أحد .
عاش فقيرا ، تشرد كثيرا ، دفع حياته ثمنا
للقلق والرعب والخوف والتضييق ، ولم ينصفه (
الآخرون ) الا بعد رحيله للأسف ( هل ينصف
الراحلون ؟ ) ، توفي في (المشفى الوطني )
بالقامشلي ، في الوقت الذي كانت قامشلي تعج
بالمشافي الخاصة وبالاطباء الاكراد المختصين
، وتعج بالذين يستمتعون بصوته ، ولم ينجده أحد
، مات على سرير متسخ في اللامشفى الحكومي ،
وذلك عار علينا جميعا
سألته ذات ليلة طويلة : محمد شيخو .. ما حكايتك
مع فلك ؟
فقال ساخرا : لأنها تحمل النقيض في الوقت نفسه
فلك .. هي الوفاء وهي الخيانة في نفس الوقت ...
اسمح لي ان لا أزيد على ذلك .
ابتسمت له ، فأدرك انني أعرف بعضا من الحكاية
.. فغيّر الموضوع .. وراح يحدثني عن بداياته
الفنية ، كان يطلب مني دائما ويقول : ليتك تكتب
لي بخط فني وعريض حكمة فارسية تقول : " الضمير
محكمة لا تحتاج لقاض " انها أهم حكمة في حياتي
، أريد ان أعلقها في بيتي .
كنت أوعده خيرا ، وأتكاسل ، وحتى هذا اليوم
أفكر : ترى هل أنجز طلبه ، فأعلق اللوحة في
مكان ما من هذه الأرض ؟
سلاما لروحك ايها الفنان الكبير .. وأعتذر منك
ايها الصديق العزيز .. على تأخري في تخطيط
اللوحة التي كنت تحب .
----------------
حين يغني محمد شيخو في أعالي قاسيون
كرم يوسف
لم أكن أتصور يوماً ما، أني سأتخلى عن إحدى
أمنياتي في اكتشاف شوارع ومنازل أخرى في
مدينتي قامشلي ، أو أن يتسلق الكسل عوالم
الاكتشاف فيَّ.،دون أن أحدد تاريخاً لزيارة
مدينة أخرى في سورية لأكتشف ولادتها الطبيعية
في عينيّ..، ولكن الذي حدث أنّي تخليت عن هذا
الأمنية، وعن أمنيات أخرى أجمل..!
كثيراً ما سمعت عن مدن تكبر مدينتي، وكثيراً
ما سمعت عن مدنٍ أكثر كثافة من مدينتي، أو
أقدم من مدينتي عمراً، لكن حبي لمدينتي كان
حاجزاً أمام تصديق كل الأشياء التي تجعل من
مدينتي أصغر حجماً،كثافةً، قدماً...
بقيت على هذه الحال ،حتى زيارتي المؤخرة،
والمفاجئة إلى العاصمة دمشق ، حيث كنت
مضطراً، وعلى غير عادات الزيارات السابقة،
لأن أعتمد على نفسي في سبيل تسيير غرض
زيارتي،دون أن أعتمد على أحد ، لأضيع بين
الميكروباصات ، ولتكون يدي على قلبي، خشية
تجاوز العنوان الذي أقصده، حسبما دون لي
الأصدقاء، على ورقة صغيرة كانت في يدي...
رغم كل هذا، كنت مصرّاً على أن مدينتي
الشمالية هي أكبر من كل المدن، إلى أن تمت
رحلتي الأخيرة إلى قاسيون، لتتكسر كل هواجسي
التي كنت مصرّاً عليها أمام كِبَر العاصمة
دمشق، حيث أضواء المدينة تمتدّ إلى ما
لانهاية ، في تلك اللحظة كان علي الاعتراف
بأنّ مدينتي صغيرة بالنسبة إلى العاصمة دمشق..
بعد وصولنا إلى آخر نقطة يقصدها الناس مشياً
على قاسيون ، هدنا التعب ، اضطرنا لاستراحة
قصيرة ، وكعادتي في كل مساء، فتحت مجلد أغاني
محمد شيخو في الموبايل ، لتكون هذه لحظة أكثر
دهشة وغرابة من اكتشافي الأول لصغر مدينتي ..!
كانت لحظة يصعب عليّ أن أتلقّى إحساسها دفعة
واحدة،محمد شيخو، وقاسيون ،هذا الأمر الذي لم
أفكر به،أن أستمع لمحمد شيخو، وهو يغني
بالكوردية في دمشق، بل وعلى ثرى قاسيون،
أحسسته لم يغن لي فحسب، بل لكل الدمشقيين ،
والخلفاء الأمويين، والأيوبي صلاح الدين،لا
بل يغني بالكوردية إلى البنائين الذين بنوا
أول منزل و أول قصر لأول حضارة في دمشق ، أيا ً
كانوا......!
قست من جديد مساحة دمشق ،بحسب نغمة أوتار
محمد شيخو ، وحاولت إحصاء ملايين الأضواء تلك
في بحّات صوت محمد شيخو ، دون أن أنجح، ودون أن
أتخلى عن محاولاتي، لأصير أسير فرحة أكبر من
قلبي الذي يحسّ بها ..
مع محمد شيخو الذي استمعت إليه مع أبي ، وكل
أعمامي، وأخي الكبير، وكلّ من هم أكبر مني ،
ثم لاحقاً مع مجايليّ، صار الاستماع إليه
عندي عادةً ،بل إدماناً، وترى، هل يستطيع
الإنسان أن يتخلى عن عاداته، أو ينفك من قبضة
إدمانه ، وهو –أي" الإنسان: عادة!" ،كما رآه
عبد الرحمن منيف، لذلك صرت أقيس الأمكنة بمدى
مناسبتها لغناء محمد شيخو..
صارت دمشق أجمل من قبل ما كانت عليه قبل
لحظات،قبل أن يغني فيها محمد شيخو بالكوردية
، صارت كلّ النساء اللواتي غنى لهن في تلك
اللحظات ،بالنسبة لي دمشقيات ، وصارت في تلك
اللحظات عندي الأحياء التي اشتاق إليها محمد
شيخو أحياء دمشق، لأنه طالما كان عندي إحساس
بأن محمد شيخو يغني للمدينة التي أسكنها أنا ،
و لا يتغزل إلا بأنثى مدينته التي هي مدينتي
أنا ...
مع نسمات قاسيون التي كانت تلفّ جسد أغنيات
محمد شيخو مهما حاولت أن أرفع من صوت الموبايل
، كان لا بدّ لي من الاعتراف بأنّني في هذه
الزيارة الأخيرة، لم أسافر إلى دمشق، بقدر ما
سافرت في صوت محمد شيخو في دمشق ، ناسياً تعب
تسع ساعات قطعتها ذهاباً، وسأقضيها إياباً
إلى ومن دمشق،وكأنيّ أسهمت – للمرة الأولى
– في إقامة حفل موسيقي فني- له- بعد كل هذه
السنوات من غيابه......!
Mon Mar 22, 2010 2:09 pm by shergo
» توما الجزيرة لهذه الأسباب خسرنا أمام تشرين ؟؟
Mon Mar 22, 2010 1:03 pm by RAWAN
» بهدف الحميدي الاتحاد قطف زيتون عفرين
Mon Mar 22, 2010 12:56 pm by RAWAN
» أجهزة الحاسوب Macbook المحمولة تتزين بالجلد
Mon Mar 22, 2010 12:54 pm by RAWAN
» أول تلفاز ثلاثي الأبعاد ينطلق في الأسواق البريطانية
Mon Mar 22, 2010 12:44 pm by RAWAN
» الفيسبوك في مواجهة جوجل
Mon Mar 22, 2010 12:38 pm by RAWAN
» هل يصلح الـ iPhone مودماً لجهاز الـ iPad؟.. لا يصلح!
Mon Mar 22, 2010 12:36 pm by RAWAN
» تطور تاريخي في صناعة الأقراص الصلبة
Mon Mar 22, 2010 12:31 pm by RAWAN
» حرب تتواصل بين متصفحات الويب
Mon Mar 22, 2010 12:29 pm by RAWAN